لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: الصفقة المُحتمَلة وطرْح نتنياهو عن "اليوم التالي"

لفت بشارة إلى أن مباحثات صفقة التبادل تركّز على عدد الأسرى، وعودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة. وفي السياق ذاته، أوضح أن مباحثات الهدنة، تجري الآن على أساس مقترح أميركيّ؛ "وهو ما يشكّل ضغطا على إسرائيل".

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: الصفقة المُحتمَلة وطرْح نتنياهو عن

د. عزمي بشارة، خلال الحوار

قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، خلال حوار أُجري معه مساء الأحد، عبر "التلفزيون العربي"، بشأن الحرب على قطاع غزة، إن الضغط الأميركيّ، يبدو أنه دفع إسرائيل للموافقة على نقاط كانت ترفضها سابقا، لافتا إلى أنه ما مِن موقف أميركيّ حاليًّا، "يردع إسرائيل عن القيام بعمليّة بريّة في رفح".

ولفت بشارة إلى أن مباحثات صفقة التبادل تركّز على عدد الأسرى، وعودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة. وفي السياق ذاته، أوضح أن مباحثات الهدنة، تجري الآن على أساس مقترح أميركيّ؛ "وهو ما يشكّل ضغطا على إسرائيل".

وشدّد بشارة على أن إسرائيل تستعمل سلاح التجويع ضدّ الفلسطينيين في القطاع، لافتا إلى أنها تسعى لاستكمال احتلال القطاع، وفرض إدارة مدنيّة تابعة لها. ورأى بشارة أن أحد أسباب موافقة إسرائيل على عودة النازحين إلى شمال القطاع، هو سعيها لتقليل عدد الموجودين في رفح.

ونبّه بشارة من أن غياب قيادة فلسطينية موحدة من شأنه إنجاح خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لإدارة غزة والتي قدمها رسميا الأسبوع الماضي في إطار مشروعه لـ"اليوم التالي" للحرب.

وفي حين رأى أن غضب الغزيين اليوم مبرر للغاية نظرا لحجم الإبادة الحاصلة في حقهم، إلا أنه اعتبر أن هناك دعما خارجيا لاستغلال غضبهم في ضرب المقاومة، معرباعن ثقته بأن دولا عربية جاهزة للتفاعل مع مؤامرة نتنياهو لإدارة غزة.

وفي هذا السياق، تحدث بشارة عن مشروع بديل لإدارة القطاع يقوم على إنشاء قيادة فلسطينية موحدة تكون هي المرجعية السياسية لحكومة تكنوقراط تديره.

وفي ما يتعلّق بمفاوضات باريس والدوحة لإبرام هدنة وتبادل أسرى بين المقاومة والاحتلال، توقع بشارة أن يكون العامل الذي قد يحسم رد "حماس" على مشروع الاتفاق هو معاناة الناس، ذلك أنه لو سمح الاتفاق للغزيين بالعودة إلى الشمال وإعادة تموضع جيش الاحتلال، "أغلب الظن أن تبدي المقاومة مرونة".

هل من تقدُّم في مفاوضات باريس؟

وردًّا على سؤال حول حصول تقدم في مفاوضات باريس لإبرام اتفاق هدنة وتبادل أسرى بين المقاومة والاحتلال، بوساطة قطرية ــ مصرية، ومشاركة أميركية فاعلة، أجاب الدكتور بشارة بأنه من الممكن أن يكون حصل تقدم فعلا، "لأن إسرائيل تراجعت عن بعض ما تراجعت عنه في اجتماعات باريس 1" (في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي) وذلك بضغط أميركي، حتى أن "الورقة التي ذهبت إلى إسرائيل أصبحت أميركية".

ومن بين ما سحبت تل أبيب في حينها موافقتها عليه في الجولة الأولى من مفاوضات باريس قبل نحو شهر، السماح للغزيين بالتنقل بين الشمال والجنوب وكل ما يتعلق بوقف استباحة المسجد الأقصى وعدد أيام الهدنة (نحو 45 في مرحلتها الأولى) ووقف إطلاق النار وعدد الأسرى الذين سيطلق سراحهم وإعادة تموضع جيش الاحتلال للسماح بعودة الناس إلى مناطق سكنهم. وشدد بشارة على أن اليوم "ربما تحت ضغط أميركي، عادت إسرائيل لتوافق على أمور تتعلق بعدد الأسرى وبتنقل الغزيين بين الشمال والجنوب"، والآن يجري التواصل مع حماس بما أنها غير متواجدة في مفاوضات باريس أو الدوحة أو القاهرة.

وكشف بشارة أن الموضوعين الرئيسيين اللذين يحتاجان لنقاش تفصيلي حاليا، هما كيفية تنقل أهل غزة بين الشمال والجنوب وتفاصيل تموضع جيش الاحتلال خلال أسابيع الهدنة، وثانيا عدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم وأسماؤهم وكم أسير فلسطيني يطلق سراحهم مقابل كل رهينة إسرائيلية، فضلا عن "نوع" تهم الأسرى الفلسطينيين والأحكام الصادرة بحقهم.

وشرح التراجع الإسرائيلي سابقا عن اتفاق باريس الذي شاركت دولة الاحتلال في صياغته، بأنه حصل لحسم حرب خانيونس ولكي تكون الهدنة في مرحلتها الأولى خلال شهر رمضان تحديدا نظرا لإدراكهم أن لهذا الشهر حساسية خاصة لا تقتصر على قطاع غزة.

وأعرب بشارة عن خشيته من أن تكتفي إسرائيل بالمرحلة الأولى من الاتفاق (الذي يشمل هدنة لستة أسابيع تقريبا وإفراجا، ربما عن 40 أسيرا إسرائيليا مدنيا مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين) نتيجة رفضها الحاسم لوقف إطلاق النار.

وأضاف قائلا إن الأميركيين يستخدمون التكتيك "المتفائل" في سبيل الضغط من أجل السير بالمرحلة الأولى، ثم المضي بمرحلتين ثانية وثالثة من دون أي ضمانات ولا وعد بوقف الحرب، على قاعدة أنه سيكون من الصعب العودة إلى الحرب بعد توقفها لفترة طويلة.

ووصف بشارة هذا المنطق بأنه "يشبه كلام محللين لا دول عظمة"، لأن أميركا غير مستعدة لممارسة أي ضغط على إسرائيل.

ورجح أن تكون هناك ضمانات أميركية تتعلق فقط بالبنود التي سيتم الاتفاق عليها (أي بالمرحلة الأولى الخاصة بتموضع جيش الاحتلال وبهدنة الأسابيع الستة وإدخال مساعدات وتبادل الأسرى...). وعزا التفاؤل الذي ساد إعلاميا في اليومين الماضيين حول مفاوضات باريس، بأنه إسرائيلي ــ أميركي المصدر بهدف إحراج الطرف الآخر (حماس) وتصويره كأنه هو سبب فشل الاتفاق.

وعن توقّعه حيال رد "حماس" على مشروع الاتفاق الجديد، رجّح مدير "المركز العربي" أن تؤدي معاناة الناس التي وصلت إلى المجاعة وضرب معنوياتهم الدور الأساسي في إبرام الاتفاق من عدمه. وتوقف بشارة عند هذه النقطة بالتفصيل.

وأشار إلى أن لدى المقاومة الفلسطينية هموم تتعلق بالحاضنة الاجتماعية في قطاع غزة، وقال إنه "لو سُمح بموجب نصّ الاتفاق الجديد للناس بالعودة إلى الشمال وإعادة تموضع جيش الاحتلال، أغلب الظن أن تبدي المقاومة مرونة تجاه الاتفاق".

مشروع اجتياح رفح

وبشأن ما يتعلق بإصرار الاحتلال على اجتياح رفح، بدا بشارة واثقا بأن ذلك سيحصل، بدليل ما تقوله إسرائيل عن أن الهدنة مهما كانت فترتها، تؤجل عملية رفح ولا تلغيها، وأن الحرب يجب أن تستمر إلى أن تحقق أهدافها، وهو ما تدركه المقاومة.

وبالنسبة إلى تل أبيب، الحرب لم تحقق غاياتها بعد، وهي إنهاء القدرة العسكرية لحركة حماس، وفرض إدارة محلية على غزة بإشراف إسرائيلي، وذكر بشارة أنه "لا يمكن أن توقف إسرائيل الحرب طالما أن لا ضغط عربيا ولا أميركيا حقيقيا" لوقفها.

وبرأي بشارة، الاجتياح سيحصل، وتابع أن الإسرائيليين يقولون اليوم إنهم لن يدخلوا رفح قبل إبلاغ مصر بذلك، وكأنهم يكررون ذلك إلى أن يجعلوا المصريين يتعودون على الفكرة، "ولم نسمع أي موقف مصري واضح بأنه ممنوع اجتياح رفح" وفق كلامه.

وأبدى بشارة قناعته بأن احتمال السماح بعودة بعض السكان إلى شمال غزة، يتعلق على الأرجح بتقليل عدد المقيمين في رفح لتهيئة الأوضاع التي تسمح بمهاجمتها.

خطّة نتنياهو لـ"اليوم التالي"

وذكر بشارة أنه إذا بقي الوضع كما هو عليه الآن فلسطينيا، لناحية غياب قيادة فلسطينية موحدة تضم المقاومة وفصائلها، ولا تقبل إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية، "سيكون هناك احتمال لتحقق" خطة نتنياهو بفعل استنزاف المجتمع الفلسطيني وتجهيزه لقبول مثل هذه المؤامرة.

ومن هنا، توقع بشارة أن يرتبط مصير هذه الخطة بوعي الفلسطينيين بما يحاك لهم لا برفض واشنطن للخطة أو موافقتها عليها، ذلك أنه بحسب بشارة، نتنياهو لا يهمه كثيرا موقف واشنطن من مشروعه لـ"اليوم التالي" للحرب، لأنه فهم أن دعم واشنطن غير مشروط لإسرائيل، ولأنه أدرك أيضا أنه لا توجد أي بوادر لأي ضغط أميركي حقيقي عليه.

وقال بشارة إن نتنياهو "معني بسقوط (الرئيس الأميركي جو) بايدن وفوز (الرئيس السابق دونالد) ترامب، فلماذا سيعطي بايدن هدية سياسية؟".

ورجح ألا تقبل واشنطن لفظيا خطة نتنياهو، لكنه يسير في محاولة تطبيقها على أرض الواقع، من هنا فإن عدم قبولها للخطة من دون قيمة كبيرة وفق رأي بشارة، الذي أشار إلى أن خطة رئيس حكومة الاحتلال لإدارة غزة تشمل مساعدة من دول التطبيع العربي، وربما تقوم على تشغيل مسؤولين سابقين في السلطة وفي جهاز الأمن الوقائي.

وذكّر في هذا السياق أنه عشية عملية "طوفان الأقصى"، كانت التحالفات العربية الإسرائيلية تجاوزت التنسيق الأمني لتصل إلى تصورات مشتركة بين الطرفين للمنطقة كلها، ليخلص إلى أن الضرب الإسرائيلي الوحشي اليوم في القطاع هدفه إعادة ما كان يُرتّب قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهذا يتطلب تسويات معينة لتكون الضفة وقطاع غزة مضبوطين أمنيا.

وفي السياق، أكد بشارة أن هناك دولا عربية جاهزة للتفاعل مع خطة نتنياهو، وهناك ذرف عربي تطبيعي لدموم التماسيح على الفلسطينيين على حد تعبيره، مع تحميل دائم لمسؤولية الإبادة لحركة "حماس" بدل الاحتلال، "بينما هم (بعض الدول العربية) يمنعون كتابة تدوينة تضامنية مع فلسطين ويسجنون من يعلن تضامنه مع غزة".

طريقان لإدارة غزة

وفي إطار متصل، تحدث مدير "المركز العربي" عن طريقين اثنين لإشراك حركة حماس في إدارة غزة، إما أن يحصل ذلك في ظل الاحتلال "إذا انحنت الحركة للريح"، وحينها قد يستغلها طرف فلسطيني لفترة زمنية لنيل شرعية، ثم يغدر بها ليتخلص منها.

والاحتمال الثاني أن تتشكل قيادة فلسطينية موحدة في إطار منظمة التحرير أو غيرها، وتتشكل حكومة تكنوقراط لإدارة قطاع غزة.

وكشف بشارة أن اقتراحات من النوع الثاني وصلت إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لم يردّ عليها.

وحذّر في هذه الغضون من أن انتظار السلطة الفلسطينية الفرصة لتستلم الحكم في غزة، "وهم خطير".

"طوفان الأقصى"... دوافع صحيحة وحسابات خاطئة

وفي ما يتعلق بالنقاش المستمر والذي تحييه مظاهر غضب تظهر في قطاع غزة أحيانا ضد حركة حماس وضد عملية "طوفان الأقصى" نفسها، اعتبر بشارة أن الأمر يتعلق بمن يطرح الموضوع، فإن كان لا يشكك بمبدأ حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، يكون حينها نقاش جدوى عملية طوفان الأقصى طبيعيا ومطروحا حول الأساليب وجدواها وما هو أفضل أدوات النضال، وهو نقاش موجود على حد تعبيره.

وستدرك بشارة بأن طيفا واسعا ممن يحمّلون المقاومة مسؤولية الحرب اليوم، هم في الأساس ضد المقاومة ويتجاهلون كل السياق التاريخي والسياسي الذي أوصل إلى عملية طوفان الأقصى.

وفي هذا السياق، ذكّر بأن المقاومة أبلغت الأطراف المعنية تحذيراتها من استمرار التهويد واستباحة المسجد الأقصى والاستيطان واضطهاد الأسرى والحصار والاحتلال، من دون أن يرد أحد على تحذيراتها. وشبّه من يحمّل المقاومة اليوم مسؤولية إبادة الفلسطينيين في غزة بتحميل من قام بالثورة السورية مسؤولية المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحقهم.

وخلص في ما يتصل بهذا الموضوع إلى الإشارة إلى وجود محاولة سياسية بدعم من أطراف خارجية لتحويل الغضب في غزة إلى انتقام من المقاومة بدل تحميل الاحتلال مسؤولية ما يحصل.

في المقابل، لفت بشارة إلى أن "عملية طوفان الأقصى؛ دوافعها كانت صحيحة لكن حساباتها كانت خاطئة".

وكرّر رأيه بأن المقاومة في السنوات الأخيرة في غزة استعدت عسكريا للدفاع بشكل مدهش، مرجحا أن يكون القيّمون عليها قد بدأوا يتحسبون للأسوأ، وللبقاء كحركة على قيد الحياة ولبقاء القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن الأصل ليس التفكير فقط في كيف تبقى القضية حية، بل كيف تُحل القضية بشكل عادل، وهذا سلوك خطت "حماس" خطوات في سبيل تبنيه على حد تعبير د. بشارة.

اقرأ/ي أيضًا | لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: ماذا يتغيّر في إسرائيل وما الخطط الأميركيّة؟

التعليقات